دعوة إلى حفل شكسبير السنوي كانت ستسبب بتوتر علاقات دولتين
قد يكون البعض مستغرباً من العنوان الا أن هُناك عادة في بريطانيا وتحديداً في مدينة ستراتفورد إقامة حفل شكسبير كل يوم 23 ابريل من كل عام تكريماً له وعرض جميع أعماله وفي عام 1926 يأتي سبب تسمية مقالاتنا بهذا العنوان
كل عام ترسل إلى جميع السفارات الأجنبية دعوات للحضور إلى الحفل والمشاركة ومن ضمن الدعوات التي أرسلت كانت للسفارة السوفيتية وكان آنذاك يوجد بعض التوترات بين بريطانيا والسوفييت رغم أن بريطانيا أعترفت بها قانونياً في عام 1924 وعندما تسلمت السفارة السوفيتية الدعوة حينها كان غائباً السفير وأستلمها القائم بالأعمال آنذاك ايفان مايسكي وهو على كل حال لاحقاً سيكون السفير للأتحاد السوفيتي
أتضح فيما بعد أن المسؤول عن الدعوات رجل صغير في وزارة الخارجية ولم يكن يعلم بالسياسة الأعلى وأنه قدم الدعوات لجميع السفارات ببريطانيا وبعد ذلك أزداد التوتر لدى المنظمين للحفل وكذلك المسؤولين عن قبول مايسكي لهذه الدعوة لأن في حين حضوره قد تدب أعمال الشغب في المدينة ويصبح هناك تجمهر كبير وعدم إتزان الأمن خلال الحفل
سارع رئيس بلدية ستراتفورد إلى لقاء مايسكي في يوم 13 ابريل أي قبل الحفل بعشرة أيام وكان النقاش الرئيسي عن هذا الأجتماع بإقناع مايسكي أن حضور هذا الحفل سيخلق جو متوتراً وقد تسوء الأمور ولكن مايسكي من خلال فطنته ودبلوماسيته تعامل مع مواقف أسوء من ذلك بكثير وأجاب رئيس البلدية أن الدعوة لم تسحب وما دامها قائمة فإننا مرحبين لهذه الدعوة وسنحضر الحفل
وبعد تلك الحادثة بأيام تلقى مايسكي دعوة من وزارة الخارجية البريطانية يشرحون له عن المخاطر التي ستحدث فيما لو أمضى على قراره وأن هُناك أعمال شغب سوف تأتي وصعوبة السيطرة على الجمهور وتفادياً لأي موقف محرج سوف يقع بين البلدين وبعد ذلك أجاب مايسكي أن لايوجد قلق بذلك وهو على ثقة أن الحكومة البريطانية قادرة على حفظ الأمن والأستقرار
مُنذ منتصف ابريل وقضية الصحف البريطانية هي حضور الجانب السوفييتي للحفل وهذا الأمر أحدث الضجة في الشارع البريطاني وحينها قلقت وزارة الداخلية من هذا الأمر ونشرت خبراً مفاده أنها سترسل حرساً خاصاً إلى ستراتفورد لتعزيز الأمن والمحافظة على هدوء وسير الحفل بأفضل وجه ممكن
جاء اليوم الموعود وكان من ضمن مرافقين مايسكي زوجته وكذلك القنصل السوفييتي العام والشاعر الروسي مينسكي الذي كان يقيم آنذاك في لندن ، ومن الناحية الأخرى بستراتفورد كانت العالم في محطة القطار عند وصول الوفد السوفييتي وأستقبلهم موظفو البلدية على مشارف أعين الناس التي كانت تنظر إليهم من الشوارع وكذلك البيوت وتشاهد الذي أحدث الضجة بسبب هذا الحفل
عندما وصل وفد مايسكي إلى الحفل ساد هناك الهدوء مع شعور بإمتعاض وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة وبعد ذلك توجه مايسكي ومرافقيه إلى التحية ثم بعد ذلك كانت كل دولة ترفع علمها وتم إسناد هذه المهمة إلى زوجة مايسكي وجاء بعدها مسيرة إلى قبر شكسبير حيث كل وفد يسلم وروداً إلى القسيس المدينة ومن ثم بعد ذلك يضعها على قبره وتلقى القسيس الكثير منها من الوفود وعند وصول مايسكي أعطاه إبتسامة شاحبة وعلى مضض أخذ منه الورد ووضعها على قبر شكسبير
وكانت هُناك عادة أن الدبلوماسيين في كل عام من الحفل يلقون كلمة ويعبرون عن مدى إمتنانهم وحبهم لشكسبير الا أن مايسكي قرر بالفعل المشاركة وأخبر رئيس البلدية بهذا الأمر وحاول الرئيس أن يجد مهرباً من هذا الأمر الا أنه عجز عن ذلك وقرر إعطاء مايسكي لحظته بالتحدث وكانت جميع كلماته عن شكسبير ولم يذكر شيء إطلاقا غير هذا الموضوع وبعد ذلك جاءت لحظة الغداء وهي نهاية اليوم
وفي حين بدأت الوفود بالمغادرة قرر بعض موظفي البلدية بالذهاب إلى مايسكي وعرضوا عليه جولة في المدينة وضواحيها وبالفعل وافق على ذلك وأصطحبوه مع مرافقيه وبعد نهاية الجولة توجهوا إلى محطة أخرى صغيرة مخافة أن يعود إلى المحطة التي أستقبلوه بها ويحدث أعمال شغب وهذا السبب من القيام بالجولة حول المدينة
بعد تلك الحادثة بأربعين عاماً وتحديداً في عام 1966 أقام السفير البريطاني في موسكو حفلاً بمناسبة عيد ميلاد الملكة وحضر مايسكي الحفل لأنه كان دائماً مهتم لحفلات السفارة البريطانية كون لديه صلات قديمة بهم وكذلك إقامته في إنجلترا التي أمتدت لاعواماً طويلة وقد قام مايسكي بتدوين مذكراته وقام بنشرها باللغتين الروسية والإنجليزية ، سأله السفير عن حادثة ستراتفورد وقال له أنها قصة مضحكة وهل تحن إلى تلك الأيام؟ فقال له: ستحن بعد أربعين عاماً إلى أيامك هذه كذلك.