هل الفنون تؤدي للجنون ؟

هناك رابط عجيب بين الإضطرابات النفسية و الفنانين، فيوجد عدد كبير من الفنانين على مدار التاريخ قد عانوا في فترة في فترات حياتهم  من إضطراب نفسي ما؛ كالاكتئاب و الهوس و الفصام ، وفي بعض الحالات كان الإضطراب النفسي سبباً قد حث بعضهم على إنهاء حياته بيده، قد يصاب بعض الفنانين بإضطراب نفسي، لأن بعضهم يعتقد ان الفن هو وسيلته الوحيدة لخلق عالمٍ بديل عن العالم الواقعي، لكن عندما يكف الفن عن إعطاء المعنى و الهدف لحياة الفنان هنا تضطرب مشاعره و افكاره وتقوده لطريق الهلاك.

الإضطراب النفسي كهوية للفنان

قد يؤثر الإضطراب النفسي على افكار الفنان و معتقداته فيصبح الاضطراب النفسي جزءاً من هوية الفنان، وقد يخشى بعضهم ان يتعافى من الاضطراب النفسي لظنه ان فنه سيتلاشى بتلاشي الألم النفسي، ورغبة الفنان في ان يكون مؤثراً وفعالاً في مجاله تفُوقُ غالباً الرغبة في التعافي من الاضطراب النفسي، مما يؤدي في نهاية الأمر الى تدهور صحته العقلية ، و قد ذكر أستاذ الطب النفسي المساعد بكلية الطب بجامعة حائل الدكتور أحمد الجدعاني

أن سماع الجمهور بإصابة أحد المشاهير بالإكتئاب أمر مستغرب بعد أن اجتمعت لديهم أسباب النجاح من الشهرة و الأضواء ووفرة المال وكثرة المحبين و المعجبين، مشيراً إلى أن مرض الإكتئاب لا يعترف بكل هذه الأمور، وزاد  " إن المشاهير بشر يصابون بالاكتئاب مثلهم مثل البقية، وهذا يجعلهم يشعرون بضيق شديد يفقدون معه المتعة في جوانب حياتهم المختلفة وكذلك يؤثر على جودة نومهم وشهيتهم للأكل وتركيزهم وطاقتهم و أدائهم، فيصبحون غير قادرين على الإنتاج كما كانوا بالسابق، وبالتالي تتأثر جودة أعمالهم وحياتهم الاجتماعية و شعبيتهم بين الناس، وقد يصل أحدهم لمرحلة يشعر فيها بتأنيب الضمير ويفقد فيها الامل بالحياة ويراها بصورة سوداوية مع شعور داخلي مؤلم جداً يجعله يفكر بالانتحار للتخلص من هذه المعاناة "

وأوضح الجدعاني عدم وجود أسباب أكيدة لمرض الاكتئاب، مشيرًا إلى بعض العوامل المؤثرة التي تسهم بظهوره لدى المشاهير، وهو أن الشهرة تصحبها الكثير من الضغوط سواء من محاولة إرضاء او تأثرٍ  بالصحافة الصفراء و التعليقات الناقدة أو لسعي المشهور المستمر بالحفاظ على سمعته وتطوير أدائه وانشغاله الدائم مما يؤثر على مدى اهتمامه بصحته النفسية والجسدية و جوانب حياته المختلفة.

العلاج بالفن

قد يكون تأثير الفن عكسياً فبدل ان يؤدي الى الإضطراب النفسي، يمكن للفن ان يكون نوعًا من العلاج للمضطربين نفسياً، ويمكن القول ان الذين يعانون من الإضطرابات النفسية و حتى العقلية، ينجذبون بشكلٍ ما إلى الفن لأنه يسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم بطرق أخرى غير الحديث المباشر الذي يكون صعبا عليهم، بالإضافة إلى ان التعبير عن طريق الفن يعتبر شكلا من أشكال العلاج التكميلي غير المباشر.

فنانون عانوا من إضطرابات نفسية

الرسام النرويجي إدوارد مونك

بعدما قام طاقم من اطباء علم النفس بتحليل شخصيته قالوا إن الإلهام وراء أغلب لوحاته يعود لمرضه النفسي و العقلي، بما في ذلك لوحته الشهيرة  "الصرخة"

ويُرجَّح أنه قد عانى من الاكتئاب و الرهاب من الأماكن المفتوحة، وأنه قد تعرض للإنهيار العصبي و الهلوسة كما تبين بعدما وجدت مذكراته الشخصية، وهي الحالة النفسية التي ذكر انها ألهمته لرسم "الصرخة"، وكتب مونك ذاكراً كيف جاءت فكرة اللوحة له قال "كنت أسير على الطريق مع صديقين عندما غربت الشمس، وفجأة تحول لون السماء إلى الاحمر مثل الدم، توقفت واتكأت على السياج، وشعرت بالتعب بشكل لا يوصف، امتدت ألسنة النار والدم فوق الأفق الأسود المزرق، واصل أصدقائي المشي، بينما تخلَّفت أنا عن الركب … مرتجفاً من الخوف، ثم سمعت صرخة الطبيعة الهائلة اللانهائية ".

الرسام الهولندي فنسنت فان غوخ

قد وضعت العديد من النظريات حول الإضطرابات النفسية المختلفة التي قد يكون عانى منها فان غوخ، كان رجلًا عبقرياً مرهف المشاعر، صُدِمَ الناسُ عندما قام بقطع أذنه بسبب خلاف مع صديقة الرسام بول غوغان، وقيل أنه عانى من الهوس الاكتئابي والإضطراب ثنائي القطب، بالإضافة إلى الهلوسة ونوبات التشويش والصرع

وقال في رسالةٍ أرسلها الى أخيه ثيو " لا أستطيع أن اصف بالضبط ما هو الأمر معي … بين الحين و الآخر أصاب بنوبات رهيبة من القلق … بلا سبب على ما يبدو، وهناك أيضاً شعور بالفراغ و التعب في رأسي لا يتوقف أبداً في بعض الاحيان أعاني من نوبات حزن وندم فظيع "

وبسبب مرضه النفسي و العقلي، أقدم فان غوخ على إنهاء حياته بنفسه بنهاية عام ١٨٩٠ عن عمر يناهز ٣٧ عاماً.

الكاتبة الأمريكية سيلفيا بلاث

عرفت سيلفيا بتعبيرها عن اكتئابها بجميع تفاصيله حيث كتبت عنه بشكل صريح في أعمالها، مثلما جاء في روايتها "الجرة الجرس" وفي قصائدها 

وحين بلغت سن العشرين سرقت سيلفيا الحبوب المنومة من والدتها و ابتلعتها في محاولة للإنتحار، لكنها لم تنجح و تم العثور عليها وإسعافها وبعد تلك المحاولة تم إيداعها في مستشفى ماكلين لمدة ٦ أشهر لعلاج الاكتئاب، وتلقت هناك العلاج بالصدمة الكهربائية، وفي فبراير من العام ١٩٦٣ أي بعد عشر سنوات من محاولتها الأولى للإنتحار بالحبوب المنوّمة، تمكنت سيلفيا من قتل نفسها بالفعل؛ إذ أعدت الإفطار لأطفالها وكتبت رسالة لمدبرة المنزل عليها رقم هاتف طبيب للطوارئ، ثم وضعت رأسها في الفرن و استنشقت الغاز حتى فارقت الحياة.

لا عجب أنه من قال "الفن لا ينبع فقط من السعادة" كان صادقاً ، فالفنانون يعرضون لنا جزءاً من معاناتهم فنراها تتجسد تارةً على شكل كلمات وتارةً بين خطوط لوحة،  فنجد ان أغلب الفنانين قد عانوا في حياتهم في شكل من اشكال الإضطراب النفسي، و الفنانون اكثر عرضة للإصابة بهذه الإضطرابات لانه و كما ذكر المتخصصون في مجال الإضطرابات النفسية ان الفنانين عادةً يكونون اكثر حساسية من غيرهم، ويكون وقع المشاعر عندهم أقوى، ولا ننكر ان الجنون مضر لصاحبه لكن ايضاً لا يمكننا ان ننكر ان رؤية العالم بوجهة نظر المجانين رائعة احياناً، و الفن سلاح ذو حدين فأحرص أن تبقى بعيداً عن انْصُلِه الحادة.

Previous
Previous

العار الذي يخشاه المجتمع

Next
Next

!الناتج الإجمالي القومي مخادع