افلاطون والجانب السياسي لليونان
إن افلاطون شخصية يونانية ولدت في عام 427 قبل الميلاد وهو نشأ في عائلة ارستقراطية في أثينا وكان مثقفاً من نشأته لأنه كان مولعاً بالرياضيات وحصل على المعرفة من فيثاغورس، ولكن بعد ذلك تأثر بأفكار معلمه سقراط وفلسفته بشكل كبير، حتى ان البعض أصبح يصعب عليه التفرقة بينه وبين أفكار سقراط.
فالبداية علينا الحديث عن بيئة اليونان حينها وهي أنها كانت عبارة عن مدن متفرقة في الوديان والجبال وما جاورها من الجزر وهذا الأمر أتاح لليونان من الاستقلال وأنها تسعى إلى الاكتفاء الذاتي والرفاهية التي أدت الى تطوير أنظمتها السياسية والاجتماعية.
ومن الناحية الاجتماعية كان المجتمع اليوناني عبارة عن عدة قبائل يرأسها ما يسمى " ملك " والانتماء لهذه القبائل يكون بالوراثة، وتطورت هذه القبائل حتى وصلت الى مصطلح دولة المدينة وهي دولة في مدينة مثل أثينا واسبارطة وغيرها، والحكم يكون مقره المدينة، ولكن يشمل أراضي واسعة ويتبعها عدة مستعمرات زراعية ومناطق تجارية تابعة لها.
كان افلاطون يتَبع المنهج الفلسفي العقلي في التفكير السياسي، وكان أسلوبه يعتمد على الحوار.
يرى افلاطون ان الدولة تنشأ عن طريق تباين حاجات البشر ورغباتهم، ولأن الانسان ليس لديه اكتفاء ذاتي فهو بحاجة غيره لسد الثغرات التي لا يمكنه شغلها فلذلك يستوجب ذلك تعاون الناس لكي يشبعوا حاجاتهم وهنا يكون دور الدولة بالتوفيق بين مصالح الناس وتنظيم الخدمات بينهم وبالتالي تركز الدولة على توفير الطرق الأفضل لتيسير التعاون بين الأفراد، وهنا يتبين دور الدولة لدى افلاطون وهو ان الدولة دورها المنظم والموفق للمصالح المتبادلة بين الناس لكي يتبادلوا الخدمات بطريقة أفضل وأسهل.
كما قسم الأنفس البشرية إلى عدة أقسام بناءاً على قدراتهم وعلى أسس فلسفية وخلقية وهي نابعة من تقسيمه للفضائل وهي الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة وهو الأمر الذي من خلاله توصل لتقسيم الأنفس البشرية وهي كالتالي: -
⦁النفس العاقلة ومركزها العقل والرأس وتملك فضيلة الحكمة ويمثلها الحكام الفلاسفة
⦁النفس الغاضبة ومركزها القلب والصدر وتملك فضيلة الشجاعة ويمثلها الجنود والمحاربون
⦁النفس الشهوانية ومركزها أسفل البطن وتملك فضيلة العفة ويمثلها أصحاب الحرف اليدوية والمهن
ومن ناحية فضيلة العدالة فهي تتحقق من خلال العدل في توزيع الأعمال بين هذه الأنفس البشرية والتوازن بينهم، بحيث لا تتدخل طبقة في أعمال في شؤون الطبقة الأخرى
وذكر أن هناك وظائف مهمة للدولة وهي حكم الدولة وحمايتها وتأدية حاجات الناس وتبادل الخدمات.
وفي حديثه عن العدالة وارتباطها بالدولة ذكر أنها هي التي تربط المجتمع وهي الأساس التي تقوم عليه الدولة، فلذلك يجب على كل فرد أن يقوم بدوره دون التدخل في شؤون الطبقة الأخرى لأن الفرد يكون لديه دور طبيعي يقوم به بناء على تقسيمه البشري والفضيلة التي يمثلها، وذكر أنه يجب أن توصل المعرفة للمواطنين لأنها حق من حقوق المواطن لأن المعرفة هي الطريقة المثلى لتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع وتزيد من تجانس الدولة، ولذلك يجب أن تكون الطبقة الحاكمة مرتبطة ارتباط وثيق بالمعرفة والثقافة.
وهناك عدة أمور ذكرها افلاطون للنظام الاجتماعي وهي انه تم إلغاء الزواج الفردي الدائم للأشخاص الذين سيسلكون طريق الحاكمين لإنتاج أصلح سلالة ممكنة، ولكن ينظر افلاطون للأمر وكأنها سيف ذو حدين لأن العاطفة العائلية تعتبر منافس قوي للولاء للدولة، لأن ارتباط الأفراد بأبنائهم يجعلهم ينشغلون عن القيام بأدوارهم السياسية بعدالة وانصاف، إضافة لذلك يرى أنه يجب على الحكام ألا يكون لديهم ملكية خاصة مثل العقار او غيره ويجب أن يعيشوا في معسكرات، لكي لا ينشغلوا بملكيتهم عن أداء وظيفتهم الرئيسية وهي الحكم.
قال عن نظام الحكم بأنه يجب أن يعطى للفئة الأفضل في المجتمع، فأنه يرى مهما تعددت أشكال الدولة السياسي فالأهم هو تحقيق العدالة في المجتمع، ولكن حينما قام بالمفاضلة بين أنواع الحكومات ركز على أهمية المعرفة لدى الحكومة والقدرة التي تمتلكها لتحقيق العدل، وتحدث عن مفهومه لشكل الحكومة وطبيعتها في ثلاثة كتب وهي الجمهورية، السياسي، القوانين.
كان في كتابه الأول (الجمهورية) يرى أنه يجب أن يكون هناك حكم مطلق وأنه يجب أن يخضع كل شيءٍ للحاكم واعتباره المثل الأعلى لأنه مفكر وباحث عن الحقيقة في الأساس وأن الأفراد يجب عليهم اطاعته، لذلك كان يؤمن بالحكومة المثالية المستنيرة بالعقل،
فلذلك هذه الحكومة هي حكومة النخبة الي تملك المعرفة وأن الحكم يجب أن يكون بين أيدي فئة من الخبراء والمتخصصين وهم الحكام الفلاسفة، ولكن فيما بعد اتضح لأفلاطون أن الحكومة التي يراها مثالية هي حكومة خيالية ليس لها وجود على الاطلاق
ولكن في كتابه الثاني (السياسي) ركز على أهمية القانون في دولته المثالية وبدأ ينظر في خيالية بعض الأمور في كتابه الأول ويعيد النظر فيها واتجه إلى ان فكرة الحاكم الفيلسوف صعبة في الواقع ومن هنا اتجه نحو اتجاه اخر وأصبح يميز بين الحاكم الفيلسوف المثالي وبين رجل الدولة السياسي وتوصل إلى انه يجب أن يكون هناك قوانين تساعد في مهمة الحكم لدى السياسي كما أن لها دور مهم في تنظيم المجتمع، وبالتالي أصبح افلاطون ينظر إلى الدولة التي يحكمها السياسي والقانون كدولة تالية في الأفضلية بعد الجمهورية (المثالية)
وفي كتابه الثالث والأخير (القوانين) تراجع افلاطون عن بعض آرائه التي تخص الحكم والنظام الاجتماعي وقال من المستحيل وجود نظام حكم مثالي لأفراد ليسوا أنفسهم مثاليين، وأصبح يدعوا الى فكرة الدولة المختلطة التي تقوم على التوازن بين طبقات المجتمع وتجمع بين مبدأ الحكمة لدى النظام الملكي ومبدأ الحرية في النظام الديمقراطي وتستند هذه الحكومة المختلطة على دستور قوي واضح المعاني والصياغة مع وجود حكومة ارستقراطية تقوم على مبدأ فصل السلطات.