The Last Duel .. نظرة عميقة عن ما هي الحقيقة وما هو الحق
عندما تم الإعلان للمرة الأولى عن إجتماع ”بين أفليك“ برفقة ”مات ديمون“ كمؤلفين لفيلم بقيادة المخرج القدير ”ريدلي سكوت“ لم استطع اطلاقاً ان اتمالك حماسي وأسرح بخيالي في التفكير عن عظمة الإنتاج الذي سيخرج من عقول هؤلاء المميزين خصوصاً وان هذا اول اجتماع لـ“مات ديمون“ و ”بين أفليك“ كمؤلفين بعد الرائعة الخالدة في السينما Good Will Hunting التي مازالت تصنف في قائمة أفضل خمسين فلماً على قاعدة بيانات الأفلام.
لم أكن أعرف على الإطلاق أي حيثيّات لهذا الفيلم وما هو التصنيف الذي سيتبعه الفيلم والحقبة الزمنية التي ستُحكى , الى ان شاهدت الإعلان التشويقي لأول مرة في السينما. وهنا زاد الحماس اكثر واكثر عندما رأيت ”مات ديمون“ بتلك اللحية الشقراء الغريبة ويظهر كفارس فرنسي في العصور الوسطى. وبين أفليك يظهر في الاعلان بقصة شعر مميزة وشعر اشقر و ”سكسوكة“ مستفزة ليجسد حاكم فرنسي طائش. توليفة جديدة بشكل مميز لم يسبق ان رأيتها من قبل , وتأكدت حينها أنه هو الفيلم المنتظر لهذا العام.
”مات ديمون“ برفقة ”بين افليك“ قرروا هذه المرة ان يقتبسوا رواية شهيرة لـ ”إيريك جاغار“ بعنوان ”المبارزة الاخيرة: قصة حقيقية لمحاكمة عن طريق القتال في التاريخ الفرنسي“ ليخرجوا لنا المنظور الجديد لهم في تلك القصة. هذه القصة كغيرها من القصص تحتمل بكل تأكيد العديد من التأويلات والعديد من الأوجه التي يمكن أن تُحكى منها القصة. ولكن المميز بشكل خاص فيها , انها تاريخيا وبشكل حقيقي نُقلت عبر الأزمان بثلاث نسخ مختلفة , ثلاث اشكال للحقيقة المحتملة في تلك القصة دون ان يُعرف ماهي الحقيقة الاكيدة فيها. وكان السؤال الأهم ماهي النسخة والحقيقة التي سيختارها الثنائي ”مات ديمون“ و ”بين افليك“ لـ تًًعرض في الفيلم. وكانت المفاجأة انهم قاموا باختيار جميع الحقائق ليتم عرضها في الفيلم بشكل عظيم وجديد.
المبارزة الأخيرة تتحدث عن الفارس ”جيان دي كاروج“ وزميله ”جاك دي غيريس“ اللذان خاضا الحرب سويًا في صفوف الجيش الفرنسي وكلن منهم قد أنقذ حياة الآخر مرحلة ما في تلك المعارك. تبدأ القصة بزواج ”جيان دي كاروج“ من ”مارغريت“ والتي سحرت ”جيان“ بجمالها واسلوبها الأخاذ. ولكن سحر جمالها لم يقتصر فقط على سرقة قلب ”جيان دي كاروج“ ولكنه استطاع ان يسرق قلب الزميل ”جاك دي غيريس“ الذي ما لبث إلا وقد ارتكب الفعل المحرم بمعاشرة ”مارغريت“ أثناء غياب رفيق دربه منشغلًا بأحد الحروب.
بعد هذا الحدث يبدأ تمحوُر القصة حول محاكمة ”جاك“ على فعلته والتي تستوجب الإعدام على اقصى تقدير نظرا لانتهاكه شرف صديقه. ولكن تبدأ الآن رواية كلٌ منهم لهذا الحدث المحدد والذي اصغر تفاصيله قد تُغير مجرى كل شيء في تلك المحاكمة. و بسبب إصرار كُلن منهم على رأيه وعدم وجود الادلة الكافية يلجأ الجميع للقبول بـ الحل الاخير وهو المبارزة عن طريق القتال , ”جيان دي كاروج“ يقاتل صديق عُمره ”جاك دي غيريس“ في مواجهة يدافع كُلن منهم عن سمعته وشرفه , محاكمة يُحدد فيها ”الإله“ من يملك الحق.
الحقيقة والحق في عيون مؤلفين القصة
هذا الفيلم ظهر بشكل مميز. بطريقة غير معتادة ستشاهد رواية الأحداث تتكرر بشكل كامل وكأن الفيلم يعيد نفسه, فقط من اجل ان يروي الحقيقة من منظور الشخصيات الرئيسية الثلاث الذين تم ذكرهم. فقط التفاصيل الصغيرة هي من تتغير لتُشكل حقيقة جديدة كفيلة ان تجعل ايًا منهم المذنب المُستحق لعقوبة الموت. اختار المؤلفين تلك الطريقة من أجل عرض فكرة انه وبالفعل الحقيقة قد تكون ”حقيقة محضَة وأكيدة“ في عيون كل فرد منهم على حدى. لم يسعى ايًا منهم للتضليل او الكذب. انها الحقيقة في عيونهم والتي سيخوضون قِتال لا ناجي فيه من اجلها. هًنا يأتي ضرورة ”الحق“ والذي لا يعتمد على نسبية ”الحقيقة“ لان ”الحق“ هو الشكل الاسمى لكل ”حقيقة“ والتي حَق على الجميع أن يتبعها دون الالتفات إلى رواية العقل الإنساني عن ماذا يُمكن أن يكون حقيقة ماحدث.
إنَّ شناعة الفعل ايًا كانت اسبابه وحيثيّاته , توُجب العقوبة. تجسد الفعل الشنيع في اغتصاب ”مارغريت“. وعلى الرغم ان ”جاك دي غيريس“ كان على يقين تام ان ما فعله لم يكن اغتصابَا لأنه تأكد من قبول ”مارغريت“ به اثناء قيامه بتلك الفعلة. ان ذلك لا ينفي على الإطلاق ان ما فعله كان خطأ محض يتوجب عليه إراقة دمه لأن هذا هو الحق والذي حق على الجميع ان يتبعوه.
واحدة من اجمل التفاصيل الهامة في ذلك الفيلم والتي يًنسب فضلها بكل تأكيد للمخرج ”ريدلي سكوت“ هو اختيار الرائع ”آدم درايفر“ لتجسيد ”جاك دي غيريس“ على الرغم من ان ”بين افليك“ كان هو المتوقع لعمل هذا الدور الصعب. لأسباب قد تكون دقيقة ولكنها هامة .. ”آدم درايفر“ كان الاختيار الأمثل. واحدة من تلك الأسباب هي قدرة ”آدم درايفر“ المتأصلة في شخصيته لإعطاء إيحاء أنه يميل الى جانب الخير مهما ارتكب من أفعال خاطئة ومشينة. هناك شيء من النُبل يتجسد دائمًا في وجه وملامح هذا الممثل وذلك يخدم بفعالية كبيرة جدا تعقيد ”جاك دي غيريس“ الذي ارتكب فعلة فاحشة ولكنه يعتقد تمام الاعتقاد أنه غير مذنب.
The Last Duel .. هو نجاح جديد يُضم إلى مسيرة ”ريدلي سكوت“ على مقعد المخرج و ”مات ديمون“ برفقة ”بين افليك“ في ورشة الكتابة. بالتاكيد ليس فيلمًا للنسيان على الاطلاق لانه استطاع مناقشة معضلة فلسفية تاريخية متعلقة بـ الفرق بين الحقيقة والحق , واستطاع بنجاح كبير ان يجسدها بطريقة مميزة وجريئة جدا , فـ لك ان تتخيل أنهم اقدمُوا على عرض مشهد اغتصاب كامل بكل تفاصيله ليس لمرة واحدة فقط , بل ثلاث مرات , وذلك فقط من أجل محاكاة فكرتهم المُراد ايصالها بأفضل طريقة ممكنة.