صالح للاستھلاك الإعلامي… غیر صالح للاستھلاك البشري
عادةً ننتبه إلى مكونات الطعام الذي نتناوله وتاريخ الصلاحية، وخاصةً إذا كان بيننا مصاب بالحساسية لنوع طعامٍ ما، أو كنا نتبع حمية غذائية معينة، وإن كان لدينا أطفال فإن انتباهنا يتحول إلى حرص مبالغ فيه في بعض الأحيان، ولكن وهنا السؤال الذي يحتاج إلى تفكيرٍ منا، لماذا لا يكون الحرص على ما يدخل عقولنا وعقول أطفالنا موازيًا الحرص على ما يدخل معدتنا؟
في كل يومٍ منذ أن نستيقظ صباحًا وحتى قبل النوم، نفكر ماذا سنأكل؟ ونبحث عن الطعام والشراب الذي نحب، ويعجبنا الطعم والشكل في الطعام، ومنا من يحرص على التنوع الغذائي ويتحرى الفوائد من هذا الطعام ولا ضير في ذلك أبدًا، بل إن ذلك يعد ظاهرة طبيعية وصحية، ولكن ألم نفكر يومًا بما هو غذاء للعقل؟!
إن العقل يحتاج إلى التغذية السليمة من الدهون الأساسية و المفسفرة والفيتامينات والمعادن، ذلك من الجانب الحيوي حتى يستمر في عمله، ولكنه أيضًا يحتاج إلى شيء مهم جدًا، كي يعمل وظيفته التي خلق من أجلها، فهو لم يخلق من أجل التحكم بالجسد من خلال شبكة من الأعصاب تنتشر بكل الجسد فقط، بل قد خلق من أجل التفكير والإنتاج العلمي والعملي، وهذا لا يعتمد على العلم من الدراسة وحسب، إنما التعلم من الحياة بشكلٍ عام،
يغذيه بالفكر والثقافة والتفكير والتحليل بمنطق، أعلم جيدًا أنني أتحدث عن أمر يفعله المعظم، وقد لا يدرك البعض أهمية هذا الأمر، إن العقل أقرب بعمله لجهاز الحاسوب، يحتاج إلى مدخلات لتتكون لدينا مخرجات، وما بين المدخلات والمخرجات يعمل الدماغ بالتحليل، وعادةً لا تتشابه لدى جميع البشر أعمال التحليل ذاتها، بالتاكيد فنحن بشر ولسنا أجهزة حاسوب، والتحليل الذي يعمل عليه الدماغ هو محصلة تراكمت في العقل مما اكتسبه من خبرات في الحياة والتربية والتعليم، بالإضافة إلى بعض الإمتيازات التي يتميز بها الأشخاص عن بعضهم البعض.
لذا فمن الضروري حقًّا الإنتباه لمدخلات الدماغ، ليس لنا فحسب بل بات من المهم أن نراقب نوعية المدخلات التي تدخل عقول أطفالنا، حيث نتذكر تلك المقولة "العلم في الصغر كالنقش على الحجر"، ليس فقط من مبدأ أن الطفل أكثر حفظًا من البالغين، ولكن ذلك من شأنه أن يؤثر على برمجة العقل في حياة الإنسان حينما يبلغ، فمن الصعب تغيير قناعات وأفكار ومبادئ نشأ عليها الإنسان البالغ، بينما ترسخ كل هذه القيم منذ سن صغيرة، فهذا ما يفعله النظام العالمي الجديد "العولمة"، الذي يعمل على ترسيخ القيم والمفاهيم والمبادئ في عقول الأطفال، من خلال مناهج التعليم التي تعمل بأسلوب التلقين والحفظ، إلى برامج الأطفال أو ما يسمى بذلك، فإن البرامج والرسوم المتحركة التي تعمل بشكلٍ مريب على عقول الأطفال، ذات تأثير خطير وإن لم يظهر الآن، فهو غير مصمم للظهور الآن، وهذا ما قد حدث بالفعل؛
إن المشروع الذي تعمل عليه العولمة كان منذ قرابة الثلاثين عامًا، أي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والإعتقاد بأن الشيوعية انتهت، لذا كان من الضروري الخروج بفكر جديد يقارب ذلك الفكر، حيث من الضروري أن يكون منافسًا للفكر الرأسمالي الأمريكي، بالمناسبة العولمة ليست بعيدة كثيرًا عن الفكر الشيوعي الماركسي، أنها أقرب إليه من حيث الشمولية ووحدة العالم وتحت قيادة واحدة تتحكم بالجميع، والنتيجة تظهر أمامنا شيئًا فشيئًا، التغير في فكر الشباب والذي غالبًا يكون متشابه، خروج موجة مخيفة من تبني فكر الإلحاد بين الشباب، دونما أن ينتبه الأهل الذي في غالبيتهم متدينيين سواء من يتبع الديانة الإسلامية أو المسيحية، وهي ليست وليدة اللحظة، فكما ذكرت سابقًا ليس من السهل تغيير مفاهيم شخص بالغ، إلا إن كان سطحيًا ولا أظنهم جميعًا كذلك، ولكنك إن أمعنت النظر تجد أن المعظم من هؤلاء الشباب، متقاربون بالسن، يجمع ما بينهم برامج الأطفال والكرتون ذاتها، إن الأمر بالتأكيد ليس بالصدفة، وهو لم يستهدف أبناء العرب والمسلمين فحسب،
إنما يستهدف الجميع في أنحاء العالم، ذلك النظام شمولي، صممه أشخاص على علم ودراية بما يجري بالعالم، بالإضافة كونهم أساتذة وعلماء، بقيادة زعامات تحتكر التجارة العالمية، يعملون وينشرون الفكر الشاذ الخارج عن حدود الطبيعة، لذلك رأينا العديد من الشباب قد تحول إلى مسوخ؛ ملحدين، متحولون وشاذين جنسيًا، غير مرتبطين بمفاهيم واضحة، وتصرفاتهم مبهمة، وهذا الإنتشار الغريب جعل بعض الباحثين في الولايات المتحدة يكتبون في هذا، وأخيرًا فقد تيقنوا أن الحرية التي بنوا على أساسها الولايات المتحدة الأمريكية، باتت تتلاشى وستصبح في خبر كان، والآن أصبحوا ينددون بالعولمة وأن جيوش الماركسية البائدة عادت لها الحياة من جديد، لتحتل الولايات المتحدة من الداخل غزواً ثقافيًا لا غزوًا عسكريًا.
بالنهاية إن التغيير الذي حصل في العالم ليس بالشيء الغريب، بل إن العالم في تغير مستمر منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا، فلا شيء يبقى ثابت، المهم أين أنت أيها القارئ من هذا العالم المتغير، هل ستبقى على ذات المبدأ الثابت؟ أم تواكب الحداثة وتسلم عقلك وعقل أبنائك؟ الذين يتعرضون يوميًا إلى غسيل الدماغ بكل شيء يحيط بهم، إعلاميًا فالإعلام لا ينشر إلا ما هو قابل للاستهلاك الإعلامي ولا يهم إن كان يصيب العالم بالتلبك العقلي.