الجيل زد: اضعف من سمكة ذهبية؟
تتواتر الأحاديث في المجالس حول أفضلية جيل عن الآخر، حتى بتنا لا نطيق صبرًا عن بلوغنا لمرحلة عمرية قادمة لنرغم أنوف صغارنا من الأخوة والأقارب بأن "العمر له أحكام"، و بأن "أكبر منك بيوم، أعلم منك بسنة" و ما شابه تلك الأمثال واقترن بها و عرفناه كذلك منذ صغرنا، فهل فعلًا غدونا نحن -جيل الألفية- نحكم بالمطلق على من ولدوا في ٢٠٠٠ و ما بعد لأسباب منطقية، آم أن تلك الاحكام المطلقة هي ما وجدنا عليه ابائنا واجدادنا؟
عرف عن جيل الألفية -المولودون بين ١٩٨١ و حتى ١٩٩٦- بعدد من الصفات التي شهد لهم بها والديهم و من حولهم، حيث برز في ذلك الجيل التعطش التقني نظرًا لحداثة التقنية في حينها نسبيًا، و ساعد في ذلك الأمر حقيقة أن طفل الألفية قد دمج ما بين الدمى و ألعاب الفيديو، مما طور لديه وعيًا تجاه ماهو واقعي و تجاه ماهو مزيّف فبات مدركًا لحدود واقعه و واعٍ للعديد من القيم، أولها هو أهمية تحديد التوقعات، و نكاد نجزم بأننا مررنا جميعًا بمرحلة التعرف على هذه القيمة حينما كنا نقتني ألعاب البلايستيشن المنسوخة، واضعين بعين الاعتبار امكانية أن تكون هذه اللعبة تالفة مما جعلنا -بالإضافة الى العديد من السيناريوهات الأخرى- نستعد بالتدريج لما قد تحمله الحياة من خيبات امل غير متوقعة في وسط سياق من المفترض أن يقوم بإسعادنا.
لا يمكن الحكم بالمطلق على من ينتمي الى جيل بأنه يتشارك مع أقرانه صفاتًا معينة بحد ذاتها، إلا ان فكرة الانتماء و تشارك الظروف و تشابهها يخلق شعورًا بالأمان لدى العديد من البشر دافعًا اياهم تجاه البحث عن هذا الشعور و خلقه في شتى أصعدة الحياة الممكنة، فترى البعض يفرح لرؤية جاره يستضيفه بالشاي في أكواب لم تصنع للشاي اطلاقًا، بل هي في الواقع أكواب الجبنة السائلة التي لم يكلف الجار نفسه ان ينزع عنها ملصق العلامة التجارية. في الغالب، سيخلق هذا الموقف أُلفة وضحكة، تفسر غالبًا و تُعزى إلى حب الإنسان لشعور المصادقة على قراراته و اختياراته، كذلك هو شعور الأجيال المعاصرة التي تتشارك بنسبة كبيرة ظروف حياة متشابهة باختلاف المناطق والدول والمواقيت الزمنية، حيث حولت التقنية العالم الى قرية صغيرة تجد فيها التشابه بين العديد من البشر باختلاف ميولهم و توجهاتهم و شخصياتهم، و سهّل هذا العامل بدوره إمكانية الحصول على شعور المصادقة بطريقة أسهل.
و مقارنة بجيل الألفية، الذي بدوره تاريخيًا يعد من اوائل الاجيال التي نشأت متعطشة تقنيًا و لم تكتسب علوم التقنية كما هو الحال مع من سبقهم، يعتبر جيل الزد أكثر تعطشًا و تمكنًا من التقنية، فاقترن هذا الجيل بمصطلح الفصاحة التقنية و ذلك لكون معظم اطفال هذا الجيل نشأوا ولا يخلو من بيوتهم جهاز لوحي او حاسب آلي متقدم، و بالإضافة الى الإلمام العالي بالتقنية، يصنف هذا الجيل كأحد اكثر الأجيال تنوعًا في الأعراق والخلفيات الثقافية، حيث خلق هذا التنوع تعددًا لوجهات النظر متسببًا في آراء جريئة و حلول مبتكرة في كافة المجالات، التقنية و الصناعية و الطبية و غيرها.
على الرغم من قصور دورة الانتباه -attention span- لدى جيل الزد، و ما ذكرته الابحاث انه لا يتجاوز ثمانية ثواني -اي انه مطابق لانتباه سمكة ذهبية- الا أن مزاياهم و قدراتهم الفريدة أصبحت محل تركيز البحوث الاجتماعية والنفسية، و قد نكون في خطر اندثار المثل الشعبي الشهير و تحويله الى "اصغر منك بيوم، اعلم منك بسنة."