هل عادت الحرب الباردة؟
نسمع كثيرًا عن مصطلح "الحرب الباردة"، واعتقد أن عددًا لا بأس به لا يعرف ما هي، لذا سأبدأ بنبذةٍ بسيطة عن هذه الحرب، فهي صراع بين أقوى دولتين في العالم هما الولايات المتحدة وروسيا أو بمعنى أدق الاتحاد السوفيتي، إذ كان هذا الصراع إبّان وجود ما يسمى بالاتحاد السوفيتي، ذلك الاتحاد الذي نتج عن الثورة البلشفية في 7 نوفمبر من عام 1917م، لِيُصبح بذلك أول دولة اشتراكية بِأيدولوجية شيوعية، وكانت الجمهوريات المحيطة بروسيا هي المكون للاتحاد تحت القيادة الروسية
وأصبح هذا الاتحاد نِدًّا للولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أنهما كانتا في خندقٍ واحد مع الحلفاء في الحرب والتي قامت في أواخر ثلاثينات القرن الماضي ضد دول المحور، فَمع نهاية الحرب وتشكيل مجلسًا للأمن الدولي يضم الدول العظمى الخمس؛ وهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة وفرنسا والصين، أي أن المجلس لم يكن تحت مظلة الأمم المتحدة التي بُنيت على انقاض عُصبة الأمم، ولكنه مجلس الدول المنتصرة في الحرب، بدأت الحرب الباردة.
ولكن الاختلافات التي بين هاتين الدولتين في العديد من الأمور أولها أن الاتحاد السوفيتي يتبنى الفكر الاشتراكي بل هو مُؤسِسه، بينما الولايات المتحدة صاحبة الفكر النقيض له وهو النظام الرأسمالي، وكما أن التنافس بينهما من يتولى قيادة العالم، إذ أن السفينة لا تحتمل ربّانين، ومن جهة أخرى الطمع والتغول في بسط السيطرة والنفوذ على أكبر عدد ممكن من الدول واستغلال ثرواتها، ولم تكن هناك حربًا مُعلنة بينهما أي وجهًا لوجه؛ لأنهما على ثقة أن كلاهما لديه أسلحة نووية فتاكة ستدمر هذا العالم وهي ليس من مصلحتهما، وحتى أن التطور والبحث العلمي بين كلا البلدين من أجل التفوق الاقتصادي والعسكري والسياسي؛ لِكسب الجولات، لذلك كانت الحرب بينهما باردة.
ومن المؤسف حقًّا أنهما ينقلان حربهما الباردة إلى الدول المتنازع عليها فتصبح ساخنة، وبالتالي فإن هذه الدول هي من يدفع الثمن بالنزاع والحرب بالإنابة أو بالوكالة عن كلتا الدولتين، وقد حصل ذلك بالفعل في العديد من الدول، منها فيتنام التي عانت من الحرب بعد الغزو الأمريكي لها، وكذلك كوبا وأفغانستان وكوريا، وغيرها العديد من المناطق المتنازع عليها والآن ظهرت قضية أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، لتدفعنا لِطرح تساؤلًا مفاده هل ما زالت الحرب الباردة قائمة حتى الآن؟ أو أنها لم تنتهي بعد؟
إذ أن الحرب الباردة انتهت في عام 1991م مع تفكك الاتحاد السوفيتي، بعد الانقلاب على آخر رئيسٍ للإتحاد ميخائيل غورباتشوف، وإستقلال الجمهوريات عن روسيا، ولكن حقيقة ما نراه الآن من نزاعات في العالم، يدل أن هذه الحرب لم تنتهي، حتى الحرب في سوريا كانت هناك أيدٍ روسية وتدخلاتٍ أمريكية في إبقاء هذا الصراع دائِرًا هناك، وعرقلة أي حلول ممكنة لإنهائه، وإنه يعيد إلى الأذهان الحرب والتطهير العرقي التي قام بها الصرب في البوسنة والهرسك وإقليم كوسوفو، مع وجود الاختلافات بالتأكيد ولكن العامل المشترك هما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
فإن التفكير المنطقي للأحداث في أوكرانيا تعطي تلميحًا أن النزاع بين القوتين لم ينتهي بعد، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد أن يسجل التاريخ اسمه، وفي نفس الوقت لا يريد للولايات المتحدة الانفراد بالسلطة، وإنما لتبقى روسيا المنافس الأقوى لها، وخاصةً أن الصين الآن قوةً لا يستهان بها وهي منافسةً قوية لكلا الدولتين، ويحسبان لها ألف حساب، فقد ظهر بالأحداث الأخيرة في كازاخستان، أن الصراع في الداخل الذي بين الحكومة والمعارضة، له بُعدًا آخر، حيث تشكل كازاخستان نقطة تقاطع للقوى الثلاث؛ فهي واقعة على طريق الحرير الجديد الذي دشنته الصين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى روسيا بالإضافة إلى كونها من أكبر الدول التي كانت من جمهوريات الاتحاد السوفيتي والتي كانت تستغل روسيا ثرواتها آنذاك فهي غنية بالثروات النفطية والمعدنية، الأمر الذي جعلها محط أنظار الولايات المتحدة ناهيك عن وقوعها في منطقة خطوط النقل لأنابيب البترول الأمريكية.
وفي النهاية استذكر قول الكاتب الدكتور مصطفى محمود في كتابه المؤامرة الكبرى "إن القضية عند أوروبا وأمريكا قضية مادية بحتة، قضية هيمنة سياسية وهيمنة اقتصادية واستئثار خيرات الأرض والانفراد بثرواتها ومعادنها وأن تكون لها اليد العليا دائمًا.