موقف الإسلام من الديمقراطية
البعض قد يعتقد أن الإسلام يتعارض مع الديمقراطية بشكل كلي، ولكن هذا غير صحيح وأن العلاقة نسبية بين هذا وذاك ومنها ما يتوافق ومنها ما يتعارض … بل إن الإسلام يملك أحد عناصر الديمقراطية الرئيسية منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
وهي الشورى وهي عبارة عن مساعدة الحكام في إصدار أفضل القرارات بناءاً على استشارة أشخاص او مجموعة معينة من النخبة التي يمكن أخذ الشورى منهم، لأن رأي الجماعة أقل عرضةً للخطأ من الرأي الفردي، إضافةً إلى ذلك يمنع الاستبداد لدى الحكام ويساعد على تخفيف حمل عبء الحكم لأنه بطبيعة الحال مسؤولية عظيمة يحملها شخص واحد في تقرير مصير شعبه.
وضع الإسلام مبدأ "الشورى" في النظام السياسي وتم ذكره في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، كما أنه كانت في فترة الخلفاء الراشدين الكثير من الشورى فيما بينهم في القضايا المستجدة عليهم وكانوا يتشاورون في حلها بناءاً على القرآن الكريم والسنة النبوية حتى إذا لم يجدوا شيئاً ينظرون إلى ما فعل الخليفة الذي يسبقهم، مثلاً كان ينظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما تصادفه قضية مستجدة إلى القرآن الكريم وما يقوله فيها فإذا لم يجد شيئاً يسأل الصحابة هل صادفت هذه القضية رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا حكم فيها، فإذا لم يجد شيئاً يرجع إلى الخليفة الذي يسبقه فيسأل الصحابة هل صادفت هذه القضية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وماذا حكم فيها، وهكذا العملية مع بقية الخلفاء الراشدين وهذا ما يدل على وجود الديمقراطية في الإسلام منذ بدايته.
وكذلك مبدأ " البيعة " وهو لا تكون البيعة إلا لولي أمر المسلمين؛ حيث يبايعه أهل الحل والعقد وهم الفضلاء أو النخبة، والعلماء، ووجوه الناس، فإذا قاموا بمبايعته ثبتت ولايته، على الرغم من أنه لا يوجد أي وجوب على عامة الناس في أن يبايعوه بأنفسهم إلا أنهم يلتزموا بطاعته التامة في غير معصية الله عز وجل.
وكما نلاحظ في دراسة التاريخ الإغريقي والروماني نجد كذلك تطبيق الديمقراطية من خلال مجالس لحكم الشعب من خلال الشعب مع أن شرعية الحكم لدى بعض هذه المجالس قد تكون قابلة للجدال، فـفي الإغريق كان هناك مجلسي أحدهما يسمى " الجمعية " وهو يتكون من جميع المواطنين من يبلغون عمر 20 سنة ويختص في عدة وظائف منها الوظيفة التشريعية والتصويت على وظائف الحكام وحتى استبعاد غير المرغوب منهم، والمجلس الآخر هو مجلس الخمسمائة وهو مجلس يتكون من 500 عضو ويختص في السلطات التشريعية والتنفيذية.
في النظر في الإمبراطورية الرومانية نجد ان هناك ما يسمى " مجلس الشيوخ " وهو مجلس يتكون من 300 عضو من الرجال وعدد الأعضاء ليس ثابتاً قد يزيد او ينقص، وهو يختص في السلطات التشريعية العليا مثل التعيين في المناصب المهمة في الجانبين المدني والعسكري، وكذلك يقوم بتوجيه الجيوش وإعلان الحروب وغيرها، مع العلم أنه كانت هناك صراعات بين هذا المجلس والجمعيات العامة التي تمثل الشعب.
فإن الدين الإسلامي لا يتعارض مع الديمقراطية من ناحية عملية بشكل كلي، ولكن يتعارض معها من ناحية الفكرة الجذرية للديمقراطية وهي أن الديمقراطية تقول " الحكم للشعب " وهذا ما يتعارض مع الدين الإسلامي الذي يرى أن " الحاكمية لله سبحانه " وبالتالي إن دستور الدولة الإسلامية يقوم على الشريعة الإسلامية وهي مبنية على القرآن الكريم والسنة النبوية فلذلك سيكون هناك تعارض بين الدولة التي تتبنى النهج الديمقراطي بشكل كلي مع الدول الإسلامية التي تتبنى الشريعة الإسلامية خصوصاً من جانب تنازع الأفراد ومرجعية التحاكم فيما بينهم.
على مستوى الأفراد الديمقراطية تؤمن بالحرية الشخصية والفرد له الحرية في فعل ما يشاء مع عدم إلحاق الضرر للغير، ولكن في الدين الإسلامي الأمر يتعارض تماماً لأنه يقوم على التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلذلك سيكون هناك بعض التدخلات بين الأفراد حينما يرون في بعضهم القيام ببعض الأمور الخاطئة التي تتعارض مع الأحكام الدينية.
إن الديمقراطية تقوم في قراراتها على مبدأ الأغلبية من المجتمع، والإسلام يقوم على مرجع الشريعة الإسلامية وبالتالي لو كان الرأي الصائب مع فردٍ واحدٍ فستتخذه كقرار. كما أن في الدين الإسلامي يقوم على اللا حزبية مقارنة بالديمقراطية التي نجد فيها أحزاب عدة مثل الأحزاب الليبرالية والشيوعية وغيرها..
الديمقراطية تقوم على فصل الدين عن الدولة، ولكن الدين الإسلامي هو منهج شامل لجميع مظاهر الحياة بما في ذلك "الدولة" وهذا أمر يختلف عن الديانات الإبراهيمية السابقة لذلك كانت تتعامل الحكومات الديمقراطية الغربية مع الدين المسيحي بطريقة علمانية وكانوا يعتقدون أن الأمر سيان مع الدين الإسلامي، ولكن هذا غير صحيح لأن الإسلام وضع لنا أسس ومبادئ للنظم السياسية الإسلامية.