الوحدة

الوحدة

لا أعلم بماذا تفكرون في داخلكم حينما تسمعون كلمة "الوحدة"، وماذا تشير هذة المفردة التي خُلدت في مسامع وذكرى الناس ولكن من الممكن أن الكثير ينظر لها بعين الظلام والحزن وفقدان الشغف.

وايضًا من الممكن أن العالم ينظر إليها بعين تلك النظرة ويخشون ذكرها والتعمق بها ظناً بأنها تسلب مرحهم ورفاهيتهم اللحظية

إلا ان "الوحدة" تخلخلت بموجبها عدة معاني وفرضيات وتفسيرات، تلك المفردة تعني الكثير وكأنها بحر من بحور المعرفة كلما تعرفت عليها تكتسب معنى ومعرفة أكثر

أكتشف الفيلسوف والكاتب الشهير سيوران "الفراغ" في عام 1937م، وللوحدة مسميات ومفردات كثيرة وتنبثق منها عدة معاني كثيرة لكن المصطلح المعروف والدائم هو"الوحدة"، حينما كتب سيوران عن الوحدة وقال في عمل من أعمالة الروائية ولم يكمل المعنى وأكد حقيقة الوحدة

بقوله "كل واحد منا يمكن أن يغرق في هاجسه الذاتي من الفجر حتى منتصف الليل، حتى يتجاوز نفسه ووعيه، وهو في مواجهة السعي لحّل الألغاز والأسرار التي تكتنف الشمس والأرض والسماء"

وهنا نرى الفيلسوف المعروف بصانع العزلة، تفصل بمعنى الغرق بالذات ومواجهة الألغاز والأسرار التي تكتسي نفسه والبشر جميًعا، وتحدث عنها بشكل فلسفي عميق الا أننا لن ندخل ونحلل المغزى التام من كلامه، لكننا سنتوقف عند معنى "الغرق بالذات"

ومن هنا نرى إن لمنظور "الوحدة" إيجابيات قد تتغلب على سلبياتها، من حيث معرفة النفس البشرية والروح الذاتي ومن معرفة جذورها، قد يتخلخل الأنسان فترة طويلة أو قصيرة "بالوحدة" لكي يكتشف نفسه وذاته ومقدرته من نواحي لا يعرفها ولا يفقه بها مسبقًا.

ومن ايجابياتها الخلوة مع الذات والراحة من الصخب والتجمعات الإجتماعية والحفلات ، وأكتشاف المهارات وتنمية القدرات المعرفية والثقافية وتجربة  أعمال جديدة قد تناسب الفرد وقد لاتناسبه، لكن المعرفة مهمة أقلها أنك تعرف ماذا ينتمي له هذا المجال، وماذا تعرف عنه بصورة شاملة.

ومن  سلبياتها قد يعتاد الفرد عليها وتكون له بيئة يعيش فيها إلى الأبد، وقد ينفي جميع تواصلة مع البشر والكائنات ويخلو بذاته بغرفة مظلمة ومعتمة، وقد يعترية الخوف والهلوسة من الخلوة ولكن قد فات الأوان لكي يكمل طريقة نحو التوازن.

لأن للإنسان مقدرة معينة  تختلف قدرته على التحمل والإعتياد، وحينما يتخطى الحاجز قد يعتريه أكثر من الهلوسة والخوف من البشر ومن نفسه  وقد يصاب بالزهايمر وقد يصاب بامراض عديدة، لذلك التوسط والاعتدال "بالوحدة" مطلباً وليسَ إختيارياً. 

ونأتي للفيلسوف بمقولته الحكيمة حينما قال "أنها الجسر الممتد بين الوحدة والمعرفة ومهما يكن الإتجاه الفكري أو الفلسفي الذي يتبناه المرء، فإن جميع الطرق تؤدي إلى ذواتنا، كما لو أن هذه الذات هي روما في التاريخ"

ونرى قدرة الفيلسوف على الأيضاح المعنوي حينما تبنى أفكاره وأكدها بأعماله الروائية، ولنتعمق بالمعنى أكثر حينما قال "كل الطرق تؤدي إلى ذواتنا"، هل فعلاً جميع الأتجاهات التي أريدها أو لا أريدها تؤدي إلى ذاتي؟

لنستحضر المعنى بقرب أكثر، حينما ندخل في تواصل اجتماعي مع البشر ولنقل التواصل بينك وبين الفرد، سواء تعرفه أو لم تسبق لك معرفته من قبل وأنت تتحدث معه بشكل تلقائي العقل البشري يتبرمج ويسأل ذاته ويقوم بطرح عدة اسئلة معنوية وغير معنوية مثل "هل هذا شخص جدير بالثقة؟"، "هل سبق وإن كذب ياتُرى؟"، "هل يتحدث ويفكر في ما أفكر إلى نفسي وأنا اتحدث؟"

جميع هذه التساؤلات وأكثر قد تراود البشر وأنفسهم الذاتية من غيرعلم منهم ويصدر منها تفاعل من حيث الاسئلة المطروحة والتوقعات التي تغزو عقلة بكثافه لا منتهى منها.

وايضًا للبيئة دور كبير على التواصل مع النفس، حينما يشعر الأنسان بضيق من الأثاث القديم ومن الحجرة الضيقة ومن ازدحام الناس، يتبرمج عقلة الباطني على عدم الراحة ويشعر بازدراء وعقلة الباطني يرسل إليه إشارات وتتحول إلى معوقات ذهنية وعاطفية

قد يشعر بالغضب ويشعر بالكراهية اتجاه النفس وكل هذا وأكثر،ولاحظنا في بداية الأطروحة حينما تكلمنا عن مقولة الفيلسوف سيوران حينما قال" كل الطرق تؤدي إلى ذواتنا"، وقد تأكدنا جزئيًا بمعناها بأنه لايخلو من إيّ طريق يوجهنا إلى ذواتنا، من جميع النواحي  وليست الأسئلة مع النفس بل المواقف أيضًا لها دور كبير في الذات والمشاعر وحتى حينما تقرر إن تهرب وتفر من ذاتك..

قد تراها أمامك وخلفك، لايستطيع الأنسان الهروب من نفسه ومن ذاته، سوف يشعر وكأنه بحلقة جهنمية لا منتهى منها، ولا حصر لها من العذاب الفكري الذي يواجهه في كل يوم.

هل يوجد فرق بين مفهوم"الوحدة"و"العزلة"؟

نعم توجد فروقات بين المصطلحين إلا أنهما مقاربان لبعضهم من ناحية توسط الشعور.

مفهوم الوحدة: ان تنقطع السبل والوسائل المعرفية لكي تتواصل بشريًا، ويكون مجبرًا على العيش وحيداً.

مفهوم العزلة: وكأنك تأخُذ قسطاً من الراحة من المغامرات وتبتعد عن انظار البشر والمعارف،وتنعزل برفقة ذاتك،وتكون بمحض إرادتك.

التواصل الأجتماعي المفرط

نرى في المجتمع الحديث تطور فكري وثقافي، ونرى إن لهم أفكارهم ولهم مشاعرهم ومعتقداتهم، إلا أن هذا العصر الحديث والتطور لم يشمل مضمون العزلة.

فيما سبق تحدثنا عن الوحدة ومفهومها ومنظورها من ناحية البشر، اما الآن سوفَ نتطرق لتأثير التواصل الأجتماعي المفرط الصادر في وقتنا الحاضر

أشار بوكر عن قيمة العزلة الذي أصبحنا نتفقدها بضل هذه الظروف والظواهر الحالية، حينما قال "قيمة الوحدة تتوقف على ما إذا كان الفرد يستطيع العثور على العزلة الداخلية"

 الكثير من الناس لايتقبلون العزله ويهربون منها كأنها شيء مرتبط بالموت، يفرون منها لكي لاينسجموا ويكتشفوا ذواتهم، هم قادرين على التجربة لكن هل هم قادرين على التمتع ومعرفة قيمة العزلة؟

الكثير من الناس أصبحت أفكارهم حول العزلة سلبيه ويحزنني ذلك، من المحزن  أن نرى الناس تفر من ذاتها وترمي بجلدها أمام المارة، وتذهب للإنخراط في هذا المجتمع وتتواصل مع البشر، لكنها لاتتواصل مع ذاتها.

ماقيمة الإنسان من دون ذاته؟

ذاتك الوحيدة القادرة على فهمك وحمايتك من أفكار ومعتقدات رائجة لا فائدة منها، نرى من فقدان الهوية الذاتية مغالطة بالأفكار والمعتقدات وكثير منهم من تبنى رأي وفكر غير فكره، لماذا؟ لإنه غير قادر بتاتاً أن يكتشف نفسه وأن يعرف ما منظوره من هذه العزلة، ويفقد الأهلية بالثقافة المعرفية والأجتماعية ويصبح تابع لا فرد مستقل بذاته.

Previous
Previous

الاغتراب النفسي

Next
Next

The Last Duel .. نظرة عميقة عن ما هي الحقيقة وما هو الحق