الاغتراب النفسي

ما بين الخمس إلى العشر سنوات الأخيرة، ظهرت الكثير من التغيرات الجذرية بدءًا من سرعة التطور وتعدد شبكات التواصل الإجتماعي ومن كونها وسيلة لرفاهية العيش إلى أن أصبحت غاية نعيش من خلالها.

ونتيجة حدوث كل هذه التغيرات؛ تأثرت شرائح المجتمع وتناقلت إحدى تبعات العصر الحديث؛ ظاهرة الانسحاب من الحياة الثقافية والإجتماعية "الاغتراب النفسي". 

وقد ازداد انتشار هذه الظاهرة بصورة كبيرة في النصف الثاني من القرن العشرين تحديدًا. يُعتبر الفيلسوف "هيجل" هو أول من بحث في هذا الشأن ووضع تعريف الاغتراب النفسي، ولكن سرعان ما جاء "كارل ماركس"، ووضع التعريف الصحيح للإغتراب النفسي وقال "إن الاغتراب النفسي يعتبر ظاهرة اجتماعية يجب أن نحد منها".

وقسّم الاغتراب النفسي إلى: اغتراب نفسي بين الفرد والأفراد الأُخرى، واغتراب نفسي بين الفرد ونفسه. 

الغربة بمفهومها الشائع

لطالما كنا على دراية بالاغتراب الجسدي ومفهومه البسيط في أذهاننا؛ حين يفترق شخص عن بلاده، لغرض التزود بالعلم أو رؤية العالم من حوله أو حتى النزوح عن بلاده بسبب ضنك العيش.

ونحن نعرف جيدًا مشقّته وصعوباته.. حتى أن هناك مصطلحًا شائعًا يسمى باللغة الانجليزية (Home Sickness) مما يعني مرض العودة إلى المنزل، رغم أنهُ لا يصنف من الأمراض الجسدية أو الأمراض التي يمكن علاجها بالطب العام لأنه ناتج عن الحنين إلى الوطن، وتخالج المغترب عن الوطن أحاسيس تتمثل في: ضيق التنفس والشعور بالتعب والحُزن بلا مبرر.

 ومن أصدق ما قالتهُ سلمى مهدي: رغم يقيني بأن لكل مغتَرِب حكايته وتجربته الخاصة في غربته، إلّا أنّ غياب الأنس ووحشة الأهل والأحباب تبقى مُعاناة مُشتركة، ويبقى المُغتَرِب هو بطل حكايته ومحورها الثابِت في كل الفصول مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة. 

كيف هي غربة النفس؟ 

قام الكثير من الأخصائيين وعلماء النفس بالبحث في هذه الظاهرة وحاولوا اكتشاف أسبابها وحتى أن البعض فسرها نتيجة وجود فجوة كبيرة جدًا بين المعدل المادي السريع في هذا الوقت وبين المعدل المعنوي البطيء جدًا، مما أثر على الصحة النفسية للإنسان المعاصر في هذا الوقت. ومما قد يكون من الأسباب؛ حدوث التعارض بين رغبات الفرد لما يود أن يصبح عليه وما يريد أن يمتلكه والواقع الذي يعيشه. 

أن يجد المرء نفسه في البعد عن الآخرين، ويتعايش بكل أريحية بعيًدا عنهم؛ مبدأ يعارض تمامًا أفكار الفلاسفة الذين قاموا بتأييد أرسطو في كون الفرد كائن اجتماعي بذاته ويحتاج إلى مجتمع يحتويه وأشخاص يأنس بالعيش معهم.

من أغرب القصص التي حدثت وأثبتت ما أبداهُ أرسط؛ أن هناك راهبًا أمريكيًا يدعى "كريستوفر نايت" اعتزل العالم لمدة ٢٧ سنة في غابات أمريكا الشمالية لأكثر من ربع قرن، وحين سُئل عن تجربته الفريدة قال: "لم يكن هناك جمهور أؤدي أمامه، أنا خسرت نفسي"

ما الفرق بين الاغتراب النفسي والاجتماعي؟ 

لا يفرق الكثير بين مختلف أنواع الغربة حين يأتي الأمر إلى التفاصيل ولكثرة البحوث التي أجريت من قبل علماء النفس والاجتماع. يعرف الاغتراب النفسي بشعور الفرد بالعزلة عن نفسه أو عن الآخرين، أما الاغتراب الاجتماعي فهو الشعور بعدم التفاعل بين ذات الفرد وذات الآخرين.

هل هناك دواء للإغتراب النفسي؟ 

من أجل التشافي من أي عارض جسديًا كان أم نفسيًا، يجب معرفة السبب ثم علاجه بالطريقة الصحيحة. 

ثم إن وجود الأبناء في المنزل لا يعني أنهم لا يشعرون بالغربة، لذا يقول العالم هيجل" الحُب يجعل الاغتراب يتلاشى" لأنه يأتي من الشعور بالهامشية ونقص الاهتمام من حولنا، وهنا تأتي أهمية دور الآباء والأمهات في احتواء ابنائهم وتعزيز مشاعر العطف والمودة تجاههم.

Previous
Previous

‏الثقافة والأدب

Next
Next

الوحدة